الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز) أي هل يكون مؤتدما فيحنث أم لا؟ قوله (وما يكون منه الأدم) هي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء، أي وباب بيان ما يحصل به الائتدام. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ بِهَذَا الشرح: حديث عائشة " ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم " وهو طرف من حديث مضى في الأطعمة بتمامه، وكذا التعليق المذكور بعده عن محمد بن كثير مضى ذكر من وصله عنه. وعابس بمهملة وبعد الألف موحدة ثم مهملة، وقوله في آخره " قال لعائشة بهذا " قال الكرماني أي روى عنها أو قال لها مستفهما ما شبع آل محمد؟ فقالت: نعم. قلت: والواقع خلاف هذا التقدير؛ وهو بين فيما أخرجه الطبراني والبيهقي من وجهين آخرين وهو أن عابسا قال لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الأضاحي؟ فذكر الحديث في آخره " ما شبع إلخ " والنكتة في إيراده طريق محمد بن كثير الإشارة إلى أن عابسا لقي عائشة وسألها لرفع ما يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع، وقد تقدم شرح الحديث في كتاب الرقاق. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا الشرح: حديث أنس في قصة أقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلا حتى شبعوا، وقد مضى شرحه في علامات النبوة، والقصد منه قوله " فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته " أي خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت: قال ابن المنير وغيره: مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل بما اصطبغ به، قال: ومناسبته لحديث عائشة أن المعلوم أنها أرادت نفي الإدام مطلقا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل فيه التمر وغيره. وقال الكرماني: وجه المناسبة أن التمر لما كان موجودا عندهم وهو غالب أقواتهم وكانوا شباعى منه علم أن أكل الخبز به ليس ائتداما، قال: ويحتمل أن يكون ذكر هذا الحديث في هذا الباب لأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم لكونه لم يجد شيئا على شرطه، قال: ويحتمل أن يكون إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة. قلت: والأول مباين لمراد البخاري، والثاني هو المراد، لكن بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير، والثالث بعيدا جدا. قال ابن المنير، وأما قصة أم سليم فظاهرة المناسبة لأن السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا يصطبغ به الأقراص التي فتتها، وإنما غابته أن يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل، ويؤخذ منه أن كل شيء يسمى عند الإطلاق إداما، فإن الحالف أن لا يأتدم يحنث إذا أكله مع الخبز، وهذا قول الجمهور سواء كان يصطبغ به أم لا. وقال، أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يحنث إذا ائتدم بالجبن، والبيض، وحالفهما محمد بن الحسن فقال: كل شيء يؤكل مع الخبز مما الغالب عليه ذلك كاللحم المشوي والجبن أدم، وعن المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف أدم ولكل قوم عادة، ومنهم من استثنى الملح جريشا كان أو مطيبا. (تنبيه) : من حجة الجمهور حديث عائشة في قصة بريدة " فدعا بالغداء فأتى بخبز وإدام من أدم البيت " الحديث، وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه، وترجم له المصنف في الأطعمة " باب الأدم " قال ابن بطال: دل هذا الحديث عن أن كل شيء في البيت مما جرت العادة بالائتدام به يسمى أدما مائعا كان أو جامدا. وكذا حديث " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة وإدامهم زائدة كبد الحوت " وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق، وفي خصوص اليمين المذكورة في الترجمة حديث يوسف بن عبد الله بن سلام " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه " أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن، قال ابن القصار: لا خلاف بين أهل اللسان أن من أكل خبزا بلحم مشوي أنه ائتدم به، فلو قال أكلت خبزا بلا إدام كذا وإن قال أكلت خبزا بإدام صدق، وأما قول الكوفيين: الإدام اسم للجمع بين الشيئين فدل على أن المراد أن يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعا له بأن تتداخل أجزاؤه في أجزائه وهذا لا يحصل إلا بما يصطبغ به، فقد أجاب من خالفهم بأن الكلام الأول مسلم لكن دعوى التداخل لا دليل عليه قبل التناول، وإنما المراد الجمع ثم الاستهلاك بالأكل فيتداخلان حينئذ. *3* الشرح: قوله (باب النية في الأيمان) بفتح الهمزة للجميع وحكى الكرماني أن في بعض النسخ بكسر الهمزة ووجهه بأن مذهب البخاري أن الأعمال داخلة في الإيمان. قلت: وقرينة ترجمة كتاب الأيمان والنذور كافية في نوهين الكسر. وعبد الوهاب المذكور في السند هو ابن عبد المجيد الثقفي، ومحمد بن إبراهيم هو التيمي، وقد تقدم شرح حديث الأعمال في أول بدء الوحي، ومناسبته للترجمة أن اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على تخصيص الألفاظ بالنية زمانا ومكانا وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي ذلك، كمن حلف أن لا يدخل دار زيد وأراد في شهر أو سنة مثلا أو حلف أن لا يكلم زيدا مثلا وأراد في منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية، واستدل به الشافعي ومن تبعه فيمن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق ونوى عددا أنه يعتبر العدد المذكور وإن لم يلفظ به، وكذا من قال إن فعلت كذا فأنت بائن إن نوى ثلاثا بانت وإن نوى ما دونها وقع ما نوى رجعيا، وخالف الحنفية في الصورتين، واستدل به على أن اليمين على نية الحالف لكن فيما عدا حقوق الآدميين فهي على نية المستحلف، ولا ينتفع بالتورية في ذلك إذا اقتطع بها حقا لغيره وهذا إذا تحاكما وما في غير المحاكمة فقال الأكثر نية الحالف. وقال مالك وطائفة نية المحلوف له. وقال النووي من ادعى حقا على رجل فأحلفه الحاكم انعقدت يمينه على ما نواه الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقا، فإن حلف بغير استحلاف الحاكم نفعت التورية إلا أنه إن أبطل بها حقا أثم وإن لم يحنث، وهذا كله إذا حلف بالله فإن حلف بالطلاق أو العتاق نفعته التورية ولو حلفه الحاكم لأن الحاكم ليس له أن يحلفه بذلك كذا أطلق، وينبغي فيما إذا كان الحاكم يرى جواز التحليف بذلك أن لا تنفعه التورية. *3* الشرح: قوله (باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة) كذا الجميع إلا للكشميهني فعنده " القربة " بدل " التوبة " وكذا رأيته في مستخرج الإسماعيلي قال الكرماني: وقوله أهدى أي تصدق بماله أو جعله هدية للمسلمين. وهذا الباب هو أول أبواب النذور، والنذر في اللغة التزام خير أو شر، وفي الشرع التزام المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا وهو قسمان: نذر تبرر ونذر لجاج، ونذر التبرر قسمان: أحدهما ما يتقرب به ابتداء كلله على أن أصوم كذا، ويلتحق به ما إذا قال لله على أن أصوم كذا شكرا على ما أنعم به على من شفاء مريضي مثلا. وقد نقل بعضهم الاتفاق على صحته واستحبابه، وفي وجه شاذ لبعض الشافعية أنه لا ينعقد. والثاني ما يتقرب به معلقا بشيء ينتفع به إذا حصل له كأن قدم غائبي أو كفاني شر عدوي فعلى صوم كذا مثلا. والمعلق لازم اتفاقا وكذا المنجز في الراجح. ونذر اللجاج قسمان: أحدهما ما يعلقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد في الراجح إلا إن كان فرض كفاية أو كان في فعله مشقة فيلزمه، ويلتحق به ما يعلقه على فعل مكروه. والثاني ما يعلقه على فعل خلاف الأولى أو مباح أو ترك مستحب وفيه ثلاث أقوال للعلماء: الوفاء أو كفارة يمين أو التخير بينهما، واختلف الترجيح عند الشافعية وكذا عند الحنابلة، وجزم الحنفية بكفارة اليمين في الجميع والمالكية بأنه لا ينعقد أصلا. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ الشرح: قوله (أخبرني يونس) هو ابن يزيد الأيلي. قوله (عن عبد الله بن كعب) هو والد عبد الرحمن الراوي عنه، وقد مضى تفسير سورة براءة عن أحمد ابن صالح " حدثني ابن وهب أخبرني يونس " قال أحمد " وحدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن كعب أخبرني عبد الله بن كعب " ثم أخرجه من طريق إسحاق بن راشد عن ابن شهاب " أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه". قوله (سمعت كعب بن مالك يقول في حديثه وعلى الثلاثة الذين خلفوا) أي الحديث الطويل في قصة تخلفه في غزوة تبوك ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامه وكلام رفيقيه، وقد تقدم بطوله مع شرحه في المغازي لكن بوجه آخر عن ابن شهاب. قوله (فقال في آخر حديثه إن من توبتي أن أنخلع) بنون وخاء معجمة أي أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه. قوله (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) زاد أبو داود عن أحمد بن صالح بهذا السند " فقلت إني أمسك سهمي الذي بخيبر " وهو عند المصنف من وجه آخر عن ابن شهاب، وقع في رواية ابن إسحاق عن الزهري بهذا السند عند أبي داود بلفظ " إن من توبتي أن أخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة، قال لا، قلت فنصفه، قال لا، قلت فثلثه. قال نعم، قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر " وأخرج من طريق ابن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه " وإني أنخلع من مالي كله صدقة، قال يجزي عنك الثلث " وفي حديث أبي لبابة عند أحمد وأبي داود نحوه. وقد اختلف السلف فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة مذاهب فقال مالك: يلزمه الثلث بهذا الحديث، ونوزع في أن كعب بن مالك لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه، بل يحتمل أنه نجز النذر، ويحتمل أن يكون أراده فاستأذن، والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه، وإنما الظاهر أنه أراد أن يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ماله شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه وقال الفاكهاني في شرح العمدة: كان الأولى بكعب أن يستشير ولا يستبد برأيه، لكن كأنه قامت عنده حال لفرحه بتوبته ظهر له فيها أن التصدق بجميع ماله مستحق عليه في الشكر فأورد الاستشارة بصيغة الجزم انتهى وكأنه أراد أنه استبد برأيه في كونه جزم بأن من توبته أن ينخلع من جميع ماله إلا أنه نجز ذلك. وقال ابن المنير: لم يبت كعب الانخلاع بل استشار هل يفعل أو لا؟ قلت: ويحتمل أن يكون استفهم وحذفت أداة الاستفهام، ومن ثم كان الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء لمن التزم أن يتصدق بجميع ماله إلا إذا كان على سبيل القرية، وقيل إن كان مليا لزمه وإن كان فقيرا فعليه كفارة يمين، وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد. وإن كان متوسطا يخرج قدر زكاة ماله، والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة، وعن الشعبي وابن أبي لبابة لا يلزم شيء أصلا، وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس، وقيل يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارته يمين، وعن سحنون يلزمه أن يخرج ما لا يضر به، وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل، وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل. وإذا تقرر ذلك فمناسبة حديث كعب للترجمة أن معنى الترجمة أن من أهدى أو تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر هل ينفذ ذلك إذا نجزه أو علقه؟ وقصة كعب منطبقة على الأول وهو التنجيز، لكن لم يصدر منه تنجيز كما تقرر وإنما استشار فأشير عليه بإمساك البعض فيكون الأولى لمن أراد أن ينجز التصدق بجميع ماله أو يعلقه أن يمسك بعضه، ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ. وقد تقدمت الإشارة في كتاب الزكاة إلى أن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال، فمن كان قويا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنع وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم المهاجرين ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا وعليه يتنزل " لا صدقة إلا عن ظهر غني " وفي لفظ " أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني " قال ابن دقيق العيد: في حديث كعب أن للصدقة أثرا في محو الذنوب ومن ثم شرعت الكفارة المالية، ونازعه الفاكهاني فقال: التوبة تجب ما قبلها، وظاهر حال كعب أنه أراد فعل ذلك على جهة الشكر. قلت: مراد الشيخ أنه يؤخذ من قول كعب " إن من توبتي إلخ " أن للصدقة أثرا في قبول التوبة التي يتحقق بحصولها محو الذنوب، والحجة فيه تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على القول المذكور. *3* وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَقَوْلُهُ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الشرح: قوله (باب إذا حرم طعاما) في رواية غير أبي ذر " طعامه " وهذا من أمثلة نذر اللجاج وهو أن يقول مثلا طعام كذا أو شراب كذا علي حرام أو نذرت أو لله علي أن لا أكل كذا أو لا أشرب كذا، والراجح من أقوال العلماء أن ذلك لا ينعقد إلا إن قرنه بحلف فيلزمه كفارة يمين. قوله (وقوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) وزاد غير أبي ذر " إلى قوله تحلة أيمانكم " وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الطلاق. وهل نزلت الآية في تحريم مارية أو في تحريم شرب العسل، وإلى الثاني أشار المصنف حيث ساقه في الباب. ويؤخذ حكم الطعام من حكم الشراب، قال ابن المنذر: اختلف فيمن حرم على نفسه طعاما أو شرابا يحل فقالت طائفة: لا يحرم عليه وتلزمه كفارة يمين، وبهذا قال أهل العراق. وقالت طائفة: لا تلزمه الكفارة إلا إن حلف، وإلى ترجيح هذا القول أشار المصنف بإيراد الحديث لقوله وقد حلفت وهو قول مسروق والشافعي ومالك، لكن استثنى مالك المرأة فقال تطلق قال إسماعيل القاضي: الفرق بين المرأة والأمة أنه لو قال امرأتي علي حرام فهو فراق التزمه فتطلق، ولو قال لأمته من غير أن يحلف فإنه ألزم نفسه ما لم يلزمه فلا تحرم عليه أمته، قال الشافعي: لا يقع عليه شيء إذا لم يحلف إلا إذا نوى الطلاق فتطلق أو العتق فتعتق، وعنه يلزمه كفارة يمين. قوله (وقوله تعالى: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) كأنه يشير إلى ما أخرجه الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال إني حرمته أن لا آكله فقال: إذن فكل وكفر عن يمينك، ثم تلا هذه الآية إلى قوله (لا تعتدوا) قال ابن المنذر: وقد تمسك بعض من أوجب الكفارة ولو لم يحلف بما وقع في حديث أبي موسى في قصة الرجل الجرمي والدجاج، وتلك رواية مختصرة، وقد ثبت في بعض طرقه الصحيحة أن الرجل قال: حلفت أن لا آكله. قلت وقد أخرجه الشيخان في الصحيحين كذلك. الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا و قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا الشرح: قوله (حدثنا الحسن بن محمد) هو الزعفراني، والحجاج بن محمد هو المصيصي. قوله (زعم عطاء) وقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن حجاج قال قال ابن جريج عن عطاء، وكذا في رواية هشام بن يوسف المذكورة في آخر الباب. قوله في آخر الباب (فنزلت: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إن تتوبا إلى الله - لعائشة وحفصة. وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا - لقوله بل شربت عسلا) قلت: أشكل هذا السياق على بعض من لم يمارس طريقة البخاري في الاختصار، وذلك أن الحديث في الأصل عنده بتمامه كما تقدم [في التفسير والنكاح والطلاق] فلما أراد اختصاره هنا اقتصر منه على الكلمات التي تتعلق باليمين من الآيات مضيفا لها تسمية من أبهم فيها من آدمي وغيره، فلما ذكر (إن تتوبا) فسرهما بعائشة وحفصة، ولما ذكر (أسر حديثا) فسره بقوله " لا بل شربت عسلا". قوله (وقال إبراهيم بن موسى) كذا لأبي ذر ولغيره " قال لي إبراهيم بن موسى " وقد تقدم في التفسير بلفظ " حدثنا إبراهيم بن موسى". قوله (عن هشام) هو ابن يوسف وصرح به في التفسير، وقد اختصر هنا بعض السند ومراده أن هشاما رواه عن ابن جريج بالسند المذكور والمتن إلى قوله " ولن أعود " فزاد له " وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا" *3* الشرح: قوله (باب الوفاء بالنذر) أي حكمه أو فضله. قوله (وقول الله تعالى يوفون بالنذر) يؤخذ منه أن الوفاء به قربة للثناء على فاعله، لكن ذلك مخصوص بنذر الطاعة، وقد أخرج الطبري من طريق مجاهد في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال: إذا نذروا في طاعة الله، قال القرطبي: النذر من العقود المأمور بالوفاء بها المثنى على فاعلها، وأعلى أنواعه ما كان غير معلق على شيء كمن يعافى من مرض فقال: " لله علي أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا شكرا لله تعالى " ويليه المعلق على فعل طاعة كأن شفى الله مريضي صمت كذا أو صليت كذا، وما عدا هذا من أنواعه كنذر اللجاج كمن يستثقل عبده فينذر أن يعتقه ليتخلص من صحبته فلا يقصد القربة بذلك، أو يحمل على نفسه فينذر صلاة كثيرة أو صوما مما يشق عليه فعله ويتضرر بفعله فإن ذلك يكره وقد يبلغ بعضه التحريم. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنْ النَّذْرِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ الشرح: قوله (حدثنا يحيى بن صالح) هو الوحاظي بضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء معجمة. قوله (سعيد بن الحارث) هو الأنصاري. قوله (سمعت ابن عمر يقول: أو لم ينهوا عن النذر) كذا فيه، وكأنه اختصر السؤال فاقتصر على الجواب، وقد بينه الحاكم في " المستدرك " من طريق المعافى بن سليمان والإسماعيلي من طريق أبي عامر العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا " حدثنا فليح عن سعيد بن الحارث قال: كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال: يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن سلم الله ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى، فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول؟ فقال ابن عمر: أولم تنهوا عن النذر؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث المرفوع وزاد " أوف بنذرك " وقال أبو عامر " فقلت يا أبا عبد الرحمن إنما نذرت أن يمشي ابني. فقال: أوف بنذرك قال سعيد بن الحارث فقلت له: أتعرف سعيد بن المسيب؟ قال: نعم. قلت له: اذهب إليه ثم أخبرني ما قال لك، قال فأخبرني أنه قال له " امش عن ابنك " قلت يا أبا محمد وترى ذلك مقبولا؟ قال: نعم، أرأيت لو كان على ابنك دين لا قضاء له فقضيته أكان ذلك مقبولا؟ قال: نعم. قال فهذا مثل هذا انتهى. وأبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن عمر وأبو محمد كنية سعيد بن المسيب، وأخرجه ابن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من طريق زيد بن أبي أنيسة متابعا لفليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث فذكر نحوه بتمامه ولكن لم يسم الرجل، وفيه أن ابن عمر لما قال له أوف بنذرك قال له الرجل: إنما نذرت أن يمشي ابني وإن ابني قد مات. فقال له: أوف بنذرك، كرر ذلك عليه ثلاثا، فغضب عبد الله فقال: أولم تنهوا عن النذر؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث المرفوع، قال سعيد: فلما رأيت ذلك قلت له انطلق إلى سعيد بن المسيب، وسياق الحاكم نحوه وأخصر منه وقد وهم الحاكم في المستدرك فإن البخاري أخرجه كما ترى لكن اختصر القصة لكونها موقوفة. وهذا الفرع غريب وهو أن ينذر عن غيره فيلزم الغير الوفاء بذلك ثم إذا تعذر لزم الناذر. وقد كنت أستشكل ذلك، ثم ظهر لي أن الابن أقر بذلك والتزم به، ثم لما مات أمره ابن عمر وسعيد أن يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائر القرب عنه كالصوم والحج والصدقة. ويحتمل أن يكون مختصا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده فيعقد لوجوب بر الوالدين على الولد بخلاف الأجنبي. وفي قول ابن عمر في هذه الرواية " أولم تنهوا عن النذر " نظر، لأن المرفوع الذي ذكره ليس فيه تصريح بالنهي، لكن جاء عن ابن عمر التصريح، ففي الرواية التي بعدها من طريق عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر " وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النذر " وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ " لا تنذروا". قوله (لا يقدم شيئا ولا يؤخر) في رواية عبد الله بن مرة " لا يرد شيئا " وهي أعم، ونحوها في حديث أبي هريرة " لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له " وفي رواية العلاء المشار إليها " فإن النذر لا يغني من القدر شيئا " وفي لفظ عنه " لا يرد القدر " وفي حديث أبي هريرة عنده " لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له " ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربة، وفيها إشارة إلى تعليل النهي عن النذر. وقد اختلف العلماء في هذا النهي: فمنهم من حمله على ظاهره، ومنهم من تأوله. قال ابن الأثير في النهاية: تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم، فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم، انتهى كلامه. ونسبه بعض شراح المصابيح للخطابي وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله ابن المنذر في كتابه الكبير فقال: كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثما، ولو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به ولا حمد فاعله، ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به. ثم استدل بما ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة، وإلى ذلك أشار المازري بقوله: ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به. قال: وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث. ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب، وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار، ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم ينذر القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب. قال: ويشير إلى هذا التأويل قوله " إنه لا يأتي بخير " وقوله " إنه لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له " وهذا كالنص على هذا التعليل ا هـ. والاحتمال الأول يعم أنواع النذر والثاني يخص نوع المجازات، وزاد القاضي عياض: ويقال إن الإخبار بذلك وقع على سبيل الإعلام من أنه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه، والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية أن يقع ذلك في ظن بعض الجهلة. قال: ومحصل مذهب مالك أنه مباح إلا إذا كان مؤبدا لتكرره عليه في أوقات فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيب نفس وغير خالص النية فحينئذ يكره. قال: وهذا أحد محتملات قوله " لا يأتي بخير " أي إن عقباه لا تحمد وقد يتعذر الوفاء به، وقد يكون معناه لا يكون سببا لخير لم يقدر كما في الحديث، وبهذا الاحتمال الأخير صدر ابن دقيق العيد كلامه فقال: يحتمل أن تكون الباء للسببية كأنه قال لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القربة والطاعة من غير عوض يحصل له، وإن كان يترتب عليه خير وهو فعل الطاعة التي نذرها، لكن سبب ذلك الخير حصول غرضه، . وقال النووي: معنى قوله " لا يأتي بخير " أنه لا يرد شيئا من القدر كما بينته الروايات الأخرى. (تنبيه) : قوله " لا يأتي " كذا للأكثر، ووقع في بعض النسخ " لا يأت " بغير ياء وليس بلحن لأنه قد سمع نظيره من كلام العرب. وقال الخطابي في الأعلام: هذا باب من العلم غريب، وهو أن ينهي عن فعل شيء حتى إذا فعل كان واجبا، وقد ذكر أكثر الشافعية - ونقله أبو علي السنجي عن نص الشافعي - أن النذر مكروه لثبوت النهي عنه وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد، وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة، قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررا بما التزمه. وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها. وقال الترمذي بعد أن ترجم كراهة النذر وأورد حديث أبي هريرة ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا النذر. وقال ابن المبارك: معنى الكراهة في النذر في الطاعة وفي المعصية، فإن نذر الرجل في الطاعة فوفى به فله فيه أجر ويكره له النذر. قال ابن دقيق العيد: وفيه إشكال على القواعد فإنها تقتضي أن الوسيلة إلى الطاعة طاعة كما أن الوسيلة إلى المعصية معصية، والنذر وسيلة إلى التزام القربة فيلزم أن يكون قربة إلا أن الحديث دل على الكراهة. ثم أشار إلى التفرقة بين نذر المجازاة فحمل النهي عليه وبين نذر الابتداء فهو قربة محضة. وقال ابن أبي الدم في شرح الوسيط: القياس استحبابه، والمختار أنه خلاف الأولى وليس بمكروه، كذا قال، ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم نهي والمكروه ما نهي عنه بخصوصه، وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه فيكون مكروها، وإني لأتعجب ممن انطلق لسانه بأنه ليس بمكروه مع ثبوت الصريح عنه فأقل درجاته أن يكون مكروها كراهة تنزيه، وممن بنى على استحبابه النووي في شرح المهذب فقال: إن الأصح أن التلفظ بالنذر في الصلاة لا يبطلها لأنها مناجاة لله فأشبه الدعاء ا هـ. وإذا ثبت النهي عن الشيء مطلقا فترك فعله داخل الصلاة أولى فكيف يكون مستحبا، وأحسن ما يحمل عليه كلام هؤلاء نذر التبرر المحض بأن يقول لله علي أن أفعل كذا أو لأفعلنه على المجازاة، وقد حمل بعضهم النهي على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه حكاه شيخنا في شرح الترمذي، ولما نقل ابن الرفعة عن أكثر الشافعية كراهة النذر وعن القاضي حسين المتولي بعده والغزالي أنه مستحب لأن الله أثنى على من وفى به ولأنه وسيلة إلى القربة فيكون قربة قال: يمكن أن يتوسط فيقال: الذي دل الخبر على كراهته نذر المجازاة وأما نذر التبرر فهو قربة محضة لأن للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب وهو فوق ثواب التطوع ا هـ. وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال: هذا النهي محله أن يقول مثلا إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا، ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعارضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا. وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث لقوله " إنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه " قال وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح. قلت: بل تقرب من الكفر أيضا. ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال: الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ا هـ. وهو تفصيل حسن، ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة. وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا، وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة، وكأن البخاري رمز في الترجمة إلى الجمع بين الآية والحديث بذلك وقد يشعر التعبير بالبخيل أن المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخص من المجازاة، لكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما في الحديث المشهور " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي " أخرجه النسائي وصححه ابن حبان، أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي. ثم نقل القرطبي الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله صلى الله عليه وسلم "من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه " ولم يفرق بين المعلق وغيره انتهى، والاتفاق الذي ذكره مسلم، لكن في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر وسيأتي شرحه بعد باب. قوله (وإنما يستخرج بالنذر من البخيل) يأتي في حديث أبي هريرة الذي بعد بيان المراد بالاستخراج المذكور. الحديث: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ الشرح: قوله (من البخيل) كذا في أكثر الروايات، ووقع في رواية مسلم في حديث ابن عمر، " من الشحيح " وكذا للنسائي. وفي رواية ابن ماجه " من اللئيم " ومدار الجميع على منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور، والمعاني متقاربة لأن الشح أخص واللؤم أعم، قال الراغب: البخل إمساك ما يقتضي عمن يستحق، والشح بخل مع حرص، واللؤم فعل ما يلام عليه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ الشرح: قوله في حديث أبي هريرة (لا يأتي ابن آدم النذر بشيء) ابن آدم بالنصب مفعول مقدم والنذر بالرفع هو الفاعل. قوله (لم أكن قدرته) هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عز وجل، وقد أخرجه أبو داود في رواية ابن العبد عنه من رواية مالك، والنسائي وابن ماجه من رواية سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزناد، وأخرجه مسلم من رواية عمرو بن أبي وعمر عن الأعرج، وتقدم في أواخر كتاب القدر من طريق همام عن أبي هريرة ولفظه " لم يكن قدرته " وفي رواية للنسائي " لم أقدره عليه " وفي رواية ابن ماجه " إلا ما قدر له ولكن يغلبه النذر فأقدر له " وفي رواية مالك " بشيء لم يكن قدر له ولكن يلقيه النذر إلى القدر قدرته " وفي رواية مسلم " لم يكن الله قدره له " وكذا وقع الاختلاف في قوله " فيستخرج الله به من البخيل " ففي رواية مالك " فيستخرج به " على البناء لما لم يسم فاعله وكذا في رواية ابن ماجه والنسائي وعبدة " ولكنه شيء يستخرج به من البخيل " وفي رواية همام " ولكن يلقيه النذر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل " وفي رواية مسلم " ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج". قوله (ولكن يلقيه النذر إلى القدر) تقدم البحث فيه في " باب إلقاء العبد النذر إلى القدر " وأن هذه الرواية مطابقة للترجمة المشار إليها. قال الكرماني: فإن قيل القدر هو الذي يلقيه إلى النذر قلنا تقدير النذر غير تقدير الإلقاء فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يلجئه إلى الإعطاء. قوله (فيستخرج الله) فيه التفات ونسق الكلام أن يقال فأستخرج ليوافق قوله أولا " قدرته " وثانيا " فيؤتيني". قوله (فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل) كذا للأكثر أي يعطيني، ووقع في رواية الكشميهني " يؤتني " بالجزم ووجهت بأنها بدل من قوله " يكن " فجزمت بلم، ووقع في رواية مالك " يؤتي " في الموضعين. وفي رواية ابن ماجه " فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك " وفي رواية مسلم " فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج " وهذه أوضح الروايات: قال البيضاوي: عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة، فنهي عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب بادر إليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفيه أولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له، وذلك لا يغني من القدر شيئا فلا يسوق إليه خيرا، لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه، لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه، قال ابن العربي: فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر، لأن الحديث نص على ذلك بقوله " يستخرج به " فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه، إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الإخراج. وفي الحديث الرد على القدرية كما تقدم تقريره في الباب المشار إليه، وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أنس " إن الصدقة تدفع ميتة السوء " فظاهره يعارض قوله " إن النذر لا يرد القدر " ويجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببا لدفع ميتة السوء، والأسباب مقدرة كالمسببات، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الرقي هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال " هي من قدر الله " أخرجه أبو داود والحاكم، ونحوه قول عمر " نفر من قدر الله إلى قدر الله " كما تقدم تقريره في كتاب الطب، ومثل ذلك مشروعية الطب والتداوي. وقال ابن العربي: النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا، ومع ذلك فقد نهي عن النذر وندب إلى الدعاء، والسبب فيه أن الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه إلى الله والتضرع له والخضوع، وهذا بخلاف النذر فإن فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين الضرورة والله أعلم. وفي الحديث أن كل شيء يبتدئه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر قاله الماوردي، وفيه الحث على الإخلاص في عمل الخير وذم البخل، وأن من اتبع المأمورات واجتنب المنهيات لا يعد بخيلا. (تنبيه) : قال ابن المنير: مناسبة أحاديث الباب لترجمة الوفاء بالنذر قوله " يستخرج به من البخيل " وإنما يخرج البخيل ما تعين عليه إذ لو أخرج ما يتبرع به لكان جوادا. وقال الكرماني: يؤخذ معنى الترجمة من لفظ " يستخرج " قلت: ويحتمل أن يكون البخاري أشار إلى تخصيص النذر المنهي عنه بنذر المعاوضة واللجاج بدليل الآية، فإن الثناء الذي تضمنته محمول على نذر القربة كما تقدم أول الباب، فيجمع بين الآية والحديث بتخصيص كل منهما بصورة من صور النذر والله أعلم. *3* الشرح: قوله (باب إثم من لا يفي بالنذر) كذا لأبي ذر، وسقط لغيره لفظ إثم، ذكر فيه حديث عمران بن حصين في " خير القرون" الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ حَدَّثَنَا زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ لَا أَدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ الشرح: حديث عمران بن حصين في " خير القرون " وفي سنده أبو جمرة وهو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران، وزهدم بمعجمة أوله وزن جعفر ابن مضرب بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة، وقد تقدم شرحه مستوفى في الشهادات وفي فصائل الصحابة، والغرض منه هنا قوله " ينذرون " بكسر الذال وبضمها لغتان. قوله (ولا يفون) في رواية الكشميهني " ولا يوفون " وهي رواية مسلم، وفي أخرى له كالأولى وهما لغتان أيضا. قوله (ولا يؤتمنون) أي إنها خيانة ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك. قال ابن بطال ما ملخصه: سوى بين من يخون أمانته ومن لا يفي بنذره، والخيانة مذمومة فيكون ترك الوفاء بالنذر مذموما، وبهذا تظهر المناسبة للترجمة. وقال الباجي: ساق ما وصفهم به مساق العيب، والجائز لا يعاب فدل على أنه غير جائز
|